العائشون والميتون من اجل الموسيقى التركمانية

ولد عبد الوهاب برغش الذي ذاع صيته بلقبه الفني (هابه ) سنة 1945 في محلة بريادي في منطقة المصلى العريقة في مدينة كركوك .. وقد فقد أباه وهو صغير السن فكبر يتيما" وقد أثر ذلك تأثيرا" بالغا" فيه وظل ملازما" له طوال حياته وبعد رحيل والده فان مسؤولية رعاية صغيرين وقعت على والدته التي ترملت في سن مبكرة من شبابها وأضطرت للعمل هنا وهناك من أجل تربية الصغيرين وقد ولّد هذا الظرف عقدة" في حياة هابه وستظل أيضا" ملازمة له في كل مراحل حياته .

وبعد مرور عدة سنين وبعد أن أصبح هابه في التاسعة من عمره قررت والدته أن ترسله الى احد الخياطين ليتعلم منه أصول مهنة الخياطة أملا" في أن يتخذها مهنة" له ولكي يساهم بألاجر الذي سيتقاضاه في سد جزء من مصاريف العائلة .

ولدى ألاسطة صالح الخياط بدأ هابه في تعلم مهنة الخياطة وكان ألاسطة قاسيا" معه الى حد كبير لدفعه الى تعلم هذه المهنة وقد كان ينهره حين يسمعه وهو يغني في سنواته ألاولى ولكنه وبعد أن اقتنع بحلاوة وجمال صوته بدأ لاحقا" بتشجيعه ودعمه ..

ومن دون أن يهمل في عمله كان هابه يتحين فرص غياب ألاسطة صالح ليطلق العنان لحنجرته وهو يشدو بالخويرات وألاغاني الفلكلورية وكان يتعمد الغناء بصوت عالي كي يسمعه كل من يرتاد السوق والذي يقع محلهم فيه والحق ان كل من كان يسمع صوت هابه كان يسحر به وخاصة أصحاب المحلات المجاورة لمحلهم .. ويوما" بعد أخر بدأ معجبوا هابه بألازدياد وقد بدأ أولى خطواته في عالم الغناء التركماني وفي لك الحين وصلت أخباره الى الفنان التركماني الكبير عز الدين نعمت فقرر دعوته الى المقهى وهناك طلب منه الغناء لتقييم صوته ومعرفته بأصول الخويرات والغناء التركماني واستنادا" الى تجربته الفنية الكبيرة توقع له نعمت مستقبلا" كبيرا" في عالم الغناء الا أنه في الوقت عينه نبهه الى جهله باصول المقام والخويرات ووعده بانه سيسعى الى تعليمه كل ذلك وفي اليوم التالي اصطحب عزالدين نعمت هابه الى فنان تركماني كبير أخر هو سمه بربر ليسمعه صوته وليرى تقييمه الفني لصوته وكان تقييم ألاخير مثل تقييم نعمت ..

وبدأ عزالدين نعمت بعد ذلك باصطحاب هابة الى كافة المناقب النبوية وحفلات ألاعراس التي كانت تقام في مدينة كركوك في ذلك الحين وبدأ بتعريفه الى الفنانين التركمان الكبار حتى أن ألاستاذ الكبير الفنان عبد الواحد كوزه جي أوغلو تنبأ له بمستقبل كبير في عالم الغناء وكان ماقاله له نصا" هو (ينتظرك مستقبل كبير في عالم الغناء التركماني ولكن بشرط واحد هو أنك لن تتمكن من ايصال نفسك ) وبهذه الكلمات وكأن كوزه جي أوغلو تنبأ بالدراما الحزينة التي ستغلف حياة الفنان هابه .

وبفضل أستاذه عز الدين نعمت دخل هابه الوسط الفني التركماني من أوسع أبوابه وسط دعم كبير من جمهوره الذي بدأ بألازدياد يوما" بعد أخر ... وفي هذه ألاثناء سرقت فتاة ما قلب هابه فأصبح عاشقا" لها بكل جوارحه وكانت معشوقته هذه صديقة طفولته وفي النهاية قرر ارسال والدته لطلب يد الفتاة من أهلها الا أن والد الفتاة رفض تزويجها له بحجة كونه فقيرا" ومطربا" في نفس الوقت .. ولكن هابه لم ييأس وكرر محاولته بارسال مجموعة من الشخصيات المحترمة التركمانية لطلب يد الفتاة مرة" ثانية ... الا أن المحاولة لن تنجح ويبادر والدها الى تزويجها من أحد أصدقائه وحين يسمع هابه بهذا الخبر المؤلم ينهار تماما" لأنه كان عاشقا" لهذه الفتاة من كل قلبه ومنذ ذلك اليوم يصبح هابه مدمنا" على الخمر .

وبعدها أصبح هابه يغني وهو يشرب ومن ثم جاء دوره ليؤدي خدمة العلم وتم ارساله الى احدى الوحدات العسكرية في جنوب العراق ليؤدي هناك خدمته العسكرية وهناك تعرف هابه على لون جديد من الغناء الذي يؤديه الغجر القاطنين في جنوب العراق والذين يسمّون ( بالكاولية ) كما تعرف هناك على صوت المطرب العراقي الشهير سعدي الحلي وأصبح متأثرا" باسلوبه الخاص في الغناء ومنذ ذلك اليوم وجد هابه أسلوبه الخاص الذي سيتبعه في الغناء التركماني .. وبالنسبة الى اللون الغنائي الذي كان يؤديه سعدي الحلي فانه يتميز بأنه لون موجه الى الفئات العراقية من متوسطي الثقافة وهي موسيقى تعتبر من الناحية الفنية خارجة على اللون الغنائي العراقي المتميز .. وهو لون غنائي يؤدى في الحفلات الخاصة حيث يتعاطى فيه الحاضرون المشروبات الروحية والحشيش ويتم تسجيلها في كاسيتات صوتية من قبل أصحاب محلات الكاسيت لتطرح فيما بعد الى ألاسواق وقد كانت تؤدى في هذه الحفلات والجلسات المبتذلة نوعية معينة من ألوان الغناء العراقي وهو لون ألابوذية الذي يلقى انتشارا" ورواجا" كبيرا" في جنوب العراق اضافة الى عدد من ألاغاني الهابطة من حيث الكلمات واللحن وقد انتشرت هذه الموجة كالوباء في مناطق عديدة من العراق وخاصة" في العام 1970

وممايؤسف له أن رموز النظام البعثي الذي كان يحكم العراق في ذلك الوقت دعموا هذا النوع من الغناء الذي تحول بمرور السنين الى ظاهرة طاغية في الغناء العراقي وكان من رموز هذه الظاهرة الغنائية في ذلك الوقت كلا" من سعدي الحلي وشربت عزيز وعبادي العامري وسعدي البياتي وغيرهم .

وبعد أن عاش هابه في هذه ألاجواء لعدة سنوات بحكم تواجده في جنوب العراق لقضاء خدمته العسكرية ألالزامية عاد الى مدينته كركوك بعد تسريحه من الجيش وبدأ بالبحث عن فرصة عمل فقد قرر ترك مهنة الخياطة التي اعتبرأنها لاتوفر مجالا" رحبا" للرزق الوفير .. وكان أول عمل مارسه هو سائق سيارة أجرة وبعد ذلك تم تعيينه كموظف حكومي في مستشفى كركوك العام بصفة سائق سيارة أسعاف وفي هذه الفترة كان يخطط لطرح أول كاسيت غنائي له في ألاسواق واستشار في هذا ألامر أستاذه عز الدين نعمت وقررا طرح كاسيت مشترك لهما الى السوق وبالطبع فان هابه استفاد أيما استفادة من شهرة أستاذه عز الدين نعمت وقد لاقى هذا الكاسيت اقبالا" كبيرا" من جانب محبي الغناء التركماني وبعد هذا الكاسيت بدأ متعهدوا الحفلات الخاصة وأصحاب محلات الكاسيت بتقديم العروض على هابه .

وبدأ هابه يشارك في الحفلات الخاصة ويؤدي الخويرات وألاغاني التركمانية الفلكلورية الا أن شهرته الحقيقية ستأتي بعد سنوات قليلة .

وفي يوم من ألايام يجد هابه نفسه ضمن طاقم غنائي تركماني مشارك في احدى الحفلات الفنية الكبرى التي كان يحضرها وزير الثقافة وعدد من مسؤولي الدولة العراقية وكان من بين الفنانين التركمان المشاركين في هذا الحفل كلا" من أكرم طوزلو ومحمد رؤوف ومحمد أحمد أربيلي ومحمد عز الدين نعمت والدكتور فتح الله ألتون ساس وغيرهم وقد أدى الفنانون التركمان في هذه الحفلة ألوانا" من المقام العراقي الخويرات والغناء التركماني ولكن كان النجم الحقيقي لهذه الحفلة وبلا منازع هو فناننا هابه الذي أدى في هذه الحفلة أغنية ( بلبل أوجار يواسينا ) والتي لقيت اعجابا" كبيرا" من قبل الحاضرين وفي اليوم التالي وبعد طرح الكاسيت الخاص بالحفل في ألاسواق فانه حقق أرقاما" قياسية لم تسجل من قبل من حيث المبيعات وفي مدينة كركوك فقط بيع منها في ذلك الوقت عشرة ألاف نسخة

وبعد هذا التاريخ أصبح هابه واحدا" من مشاهير الغناء التركماني وسجل طوال مسيرته الفنية الحافلة المئات من اسطوانات الكاسيت والتي حققت جميعها أرقاما" قياسية من حيث المبيعات سواء" داخل العراق أو خارجه

والشيء الغريب أن الفمطرب التركي الكبير ابراهيم طاطلي ساس وفي أوج شهرته كان وقبل أن يطرح أي ألبوم جديد له ألاسواق يستمع أولا" الى أحدث كاسيت لفناننا هابه والذي كان ينتج في مدينة كركوك .

وقد تميز هابة بغزارة انتاجه فطوال عشرون عاما" وهو عمر مسيرته الفنية أنتج ألفي كاسيت غنائي وخمسمائة كاسيت فيديو وأحيا العديد من الحفلات في العديد من المدن العراقية اضافة" الى عدة حفلات أداها في مدينة اسطنبول التركية كما سجل اسطوانة" غنائية مشتركة مع الفنان التركماني المعروف ابراهيم رؤوف والفنانة التركية اجلال أق قابلان طرحت الى ألاسواق خلال احدى زياراته الى تركيا وبرغم كل هذه الشهرة العريضة التي نالها فان حياته لم تتغير بل ظلت على ايقاعها المعهود فقد كان يشرب بشراهة ويغني بكل عنفوان .

وبالعودة الى فن هابه الغنائي فانه ومنذ العم 1980 وفي ظل الظروف الصعبة والقاسية التي كان يعيشها العراق فانه سعى لأن يكون وريث الغناء التركماني بكافة ألوانه الا أن مسعاه هذا لم يتم .. ولو دخلنا الى تفاصيل تلك المرحلة فاننا سنرى أن نجم هابه قد بزغ في وقت أثر فيه العديد من المطربين التركمان الكبار ألانسحاب من الساحة الفنية فبقى هابه لوحده في الميدان وقد واصل مسيرته الغنائية معتمدا" على قوة وحلاوة صوته وقابليته الفنية الا أنه كان مثل ( طائر الليل ) الذي يشدوا لوحده .. وبتأثير المشروبات الكحولية التي كان يتعاطاها خلال غنائه في الحفلات الخاصة فانه كان يخرج عن كلمات والحان ألاغنية الفلكلورية التي كان يؤديها وهو لكونه كان مشهورا" واسطواناته تحقق أرقاما" قياسية في المبيعات فانه كان يتم غض النظر عن ذلك .. ولكن الشيء السلبي في كل ذلك أنه كان يؤدي هذه ألاغاني وأصول الخويرات في هذه الجلسات بلغة معوجّة وكما هو معروف فان اللغة هي أقصر الطرق ليعبر ألانسان من خلالها عن عواطفه وأفكاره كما أن اللغة هي وسيلة ألاتصال المشتركة بين فئات المجتمع الواحد اضافة"الى أن اللغة هي لسان حال ثقافة أي مجتمع وبناء" على ذلك فان هذه اللغة ومتى أصابها التشويه فانها تفتح الباب لنتائج لاتحمد عقباها .

وهابه خلق لغته الخاصة بتأثير الكحول الذي كان يتعاطاه خلال الغناء وكنتيجة لثقافته المتدنية كما أن سعيه وراء المادة ساهم في خلق هذه اللغة استنادا" الى الطبقات التي كان يغني لها .

ولعل أصدق مثال على ذلك هذه ألاغنية الفلكلورية التركمانية الشهيرة التي مطلعها كألاتي : -


ئاي هوار دكّيرمانجى سان خانجي بان كروانجي

ئارباني ويرام سانا بوغداني دارت مانميجي

وقد أداها هابة على الشكل ألاتي :-

* * * * *

ئاي هوار دكّيرمانجي ( كّوباك أوغلو )

سان خانجي مان كروانجي

أوبشو عالمجيندي

قهرو قالدي مانمجي


* * * * *

وللأنصاف فان هابة أدى هذه ألاغنية باحساس صادق ولكن شوه كلماتها الجميلة .

ومثال أخر على التشويه الذي مارسه هابه في كلمات ألاغاني الفلكلورية التركمانية نورد هذه الكلمات الخاصة باحدى أغانينا الفلكلورية التركمانية والتي أداها هابه بالشكل ألاتي : -

* * * * *

حلاليندان ... خودام وير حلاليندان

حلاليندان ( عرق ) وير حلاليندان

ياريم بيزا قوناق كّاليرسا

أوبارام كّوباكّيندان


* * * * *

واضافة الى ذلك فان هابه ساهم أيضا" في تشويه أصول الخويرات التركماني عبر ادائه لها بشكل منقوص من جانب ومن جانب أخر فانه

كان يؤديها بطبقة نشاز دون مراعاة درجة المقام ومثال على ذلك فانه حين كان يؤدي أصول ( دلي حسن خويراتي) فانه كان يدخل في طبقة القرار دون المرور أولا" في طبقة الميان .

وخلاصة ما أريد قوله هنا أن هابه ومن خلال ادائه النشاز لبعض أصول الخويرات التركماني واستعماله مفردات غير لائقة أدبيا" في أغانيه ساهم في تشويه الذائقة الغنائية التركمانية والمشكلة أن كل هذا كان يلقى القبول من جانب المستمعين والطامة الكبرى أنها تحولت الى مصدر من مصادر الموسيقى والغناء التركماني بمرور السنين .

وقد بادر العديد من الفناني التركمان الكبار ومنهم رائد الغناء التركماني ألاستاذ عبد الواحد كوزه جي أوغلو الى تقديم النصائح الى فناننا هابه ليصلح من حاله سواء على المستوى الشخصي أو الفني الا أنه لم يعطي اذنا" صاغية لكل هذه النصائح وضرب بها عرض الحائط وواصل رفقته مع أصدقاء السوء وكانت النتيجة في النهاية أنه خسر صوته الرائع وخسر فنه الذي تحول الى مجرد اسفاف حرم ألاجيال التالية من ألاستفادة منها وساهم في احداث شرخ عميق في الغناء والموسيقى التركمانية وعلى المستوى الشخصي فان ادمانه للخمر ساهم في تراجع صحته يوما" بعد يوم وأرقده على فراش الموت حتى وافته المنية في العام 2001 .

* * * * *

ولد ابراهيم طاطالي ساس في مدينة شانلي أورفة التركية سنة 1952 من عائلة فقيرة وقد فقد أباه وهو في السادسة من عمره وقد تحملت والدته عبء مسؤولية رعاية هذه العائلة بعد وفاة ألاب ونفس هذه الحكاية لاحظناها في كركوك ( هنا أردت ألاشارة الى قصة حياة الفنان التركماني هابه ) ولكن الفرق أن ابراهيم طاطلي ساس لم ينجرف الى ماأنجرف اليه هابه .

وقد انخرط ابراهيم في سلك العمل منذ سن مبكرة لأعالة عائلته ( مثلما حصل لهابه ) وعمل في مجال ألانشاءات وقد كان مولعا" بالموسيقى والغناء وكان يغني لزملائه في العمل اضافة " الى مشاركته في الحفلات الفنية التي كانت تقام في مدينته أورفة والتي تسمى ( سيلا كّيجالاري ) حيث كان يؤدي الغناء الى جانب أساتذته .

وفي يوم من ألايام سمعه أحد أصحاب السينمات من أهال مدينة أضنة التركية أثناء ادائه لوصلة غنائية أمام زملاء العمل فقرر تبنيه فنيا" ونظم له جولة فنية حيث ظهر على مسارح عدد من الكازينوهات في مدينة أضنة أولا" وفي العاصمة أنقرة ثانيا" ولأعجابه وثقته بجمال صوته قرر اصدار ألبوم غنائي له في العام 1975 وفعلا" جرى اصدار هذا ألالبوم في نفس العام الا أنه لم يلقى نجاحا" يذكر ولعل السبب كان كونه جديدا" على الساحة الفنية فقرر طاطلي ساس ترك الغناء لفترة وفي هذه ألاثناء انتقل للعيش مع عائلته الى مدينة اسطنبول وهناك بدأ بالظهور على المسارح .. وقرر تجربة حظه مرة" ثانية وبتشجيع من عائلته والمقربين منه أصدر ألبومه الغنائي الثاني سنة 1977 ( وكأننا نشاهد هنا فلما" عن حياة فناننا هابة ) وهذا ألالبوم كان السبب في أن تفتح الشهرة أبوابها على مصراعيه أمام طاطلي ساس لينطلق في عالم الغناء وكان اسم هذا ألالبوم هو ( أياغنده قوندره ) وقد حقق مبيعات قياسية من حيث المبيعات في تركيا وجرى طرحه على شكل اسطوانة مدتها خمس وأربعون دقيقة وبهذه ألاسطوانة تعرفت تركيا كلها على النجم الصاعد ابراهيم طاطلي ساس وبعد ذلك توالت ألبوماته الغنائية التي كانت تحقق النجاح تلو النجاح ومن أبرزها ( صابوحة ) و

(بير مومدور ) و( دوم دوم قورشونو ) وغيرها والتي جعلته الملك المتوج على عرش الغناء الشعبي في تركيا .

وفي العام 1985 كان ابراهيم طاطلي ساس واحدا" من ألمع نجوم الغناء التركي والى هنا كان قدر فنانينا هابه وطاطلي ساس يسير في اتجاه موازي

فكلاهما كانا في أوج شهرتهما .. ويجوز أن هابه كان مقتدرا" فنيا" أكثرمن طاطلي ساس أما من ناحية العقل والتخطيط فان طاطلي ساس كان متفوقا" عليه في هذا الجانب ففي الوقت الذي كان فيه هابه يقضي جل وقته على موائد الخمر وبرفقة أصدقاء السوء كان طاطلي ساس يضع الخطط لمستقبله الفني مستخدما" رجاحة عقله وهذا كان السبب في سمو طاطلي ساس ونزول هابه الى الدرك ألاسفل .. وقد كان طاطلي ساس يحرص على سماع كافة اسطوانات هابة وكان يحاول ألاستلهام منها ومايهمنا هنا معرفة كيف كانت البومات طاطلي ساس وأفلامه تصل الى العراق وكيف حققت اسطواناته الغنائية نسبة" قياسية من حيث المبيعات اضافة الى أفلامه التي حققت شهرة غير مسبوقة وحظيت بمتابعة فئات كبيرة من الشعب العراقي كما يهمنا معرفة مالذي أضافه طاطلي ساس الى الغناء والموسيقى التركمانية وحقيقة" فان اسطواناته كانت تحقق نفس النسبة من المبيعات في العراق كالتي كانت تحققها اسطوانات هابه اضافة الى أفلامه التي كان يخرج معظمها بنفسه . ولكن ماذا فعل طاطلي ساس ليرد الدين الذي في رقبته لطوفان المحبة التي كان يكنها له محبوا فنه في العراق وخاصة " من التركمان ؟

الحقيقة أن طاطلي ساس رأى في فن الموسيقى والغناء التركماني الغني والثر بوابة" أخرى للرزق وقد استفاد أيما استفادة من القواسم المشتركة بين الفنين التركماني والتركي ومن خلال ادائه لأصول الخويرات وألاغاني التركمانية قام باجراء بعض التغييرات في هيكلها سواء" من ناحية الكلمات أو اللحن وهو ذكر بعض مصادر الفن التركماني التي أخذ أغانيها أو أصول الخويرات منها وتجنب ذكر معظمها ألاخر وألامر المؤلم أن هذا التراث الغني والثر من الموسيقى والغناء التركماني ولعدم وجود من يحرسه ويرعاه أصبح عرضة" للسرقة من كل من هبّ ودب من دونى أدنى خوف من المحاسبة القانونية ولعل أغنية ( بياز كّول قرمزي كّول ) الفلكلورية التركمانية الشهيرة هي أصدق مثال على ذلك فقد أدى هذه ألاغنية التي وضع لها النوتة الموسيقية ( للحفاظ عليها مع أغلب ألاغاني الفلكلورية التركمانية ألاخرى وقاما بتدوينها في كتاب جرى طبعه في تركيا بنصوص كلماتها ألاصلية ) كلا" من الفنان التركماني الكبير عبد الرحمن قزل اي والموسيقار التركي صالح توران وقد أدى هذه ألاغنية العديد من المطربين ألاتراك نذكر منهم صلاح الدين ألباي وعزت ألتون ماشا ومحمد أوزبك واجلال أق قابلان وغيرهم وقد قاموا بتغيير بعض كلماتها الا أن التشويه ألاكبر لهذه ألاغنية حاق بها على يد ابراهيم طاطلي ساس الذي أضاف اليها مقاطع لاعلاقة لها لامن قريب أو بعيد بهذه ألاغنية الفلكلورية التركمانية الجميلة . ومايؤخذ على طاطلي ساس انه اعتبرها من التراث التركي بينما حقيقة ألامر أنها واحدة من ألاغاني التركمانية الفلكلورية وقد كان بامكانه أن يعتبر فناننا التركماني هابة كمصدر لها باعتبار أنه هو أول من أعاد احيائها وغنائها وقد نالت هذه ألاغنية جائزة ألاسطوانة الذهبية في تركيا وهو دليل على مدى سمو ورفعة الموسيقى والغناء الفلكلوري التركماني وقد غنى طاطلي ساس اضافة الى ذلك العديد من ألاغاني الفلكلورية التركمانية وبالرجوع الى أصول الخويرات التركماني فمن المعروف أن هذه ألاصول مثلها مثل المقامات الكلاسيكية لها

قوالب محددة وثابتة لايمكن الخروج عنها الا أن طاطلي ساس قام بتشويه بعض أصول الخويرات التركماني التي أداها ومثال على ذلك أصول

( اليولجو ) حين غنى أبيات من الخويرات من هذا ألاصول والتي مقطعها :-

مان سنا كّوليم ديمام كّولين عمري كام أولي

وأداها طاطلي ساس على النحو التالي :-

مان سنا كّوليم ديمام كّولين عمري ئاز أولي

وحين سئل لما قمت بتغييرها قال أنا ساهمت بتطويرها وهو عذر أقبح من الذنب وهي تعكس شيئين أما أنه قام بفعلته هذه عن قصد أو أنها تدل ّ على جهله الموسيقي وفي النهاية فان ماحصل حصل لموسيقانا وتراثنا الغنائي

وعلى يد فنان كبير بكل أسف .

وخلاصة ما أريد قوله أن عديمي الثقافة ساهموا في تشويه تراثنا الموسيقي

وغنائنا ألاصيل وقد أصبح هذا التراث الكبير عرضة" للسلب والنهب من قبل

كل دخيل على فننا فبعضهم قام بسرقته والبعض ألاخر قام بتغيير هويته المميزة وطابعه ألاصيل وسماها بأسماء تثير معاني أشمئزاز والسخرية .

وهناك نقطة مهمة أخرى وهي ان موسيقانا التركمانية ومنذ العام 1980 لم تشهد أي تطور ملموس وكأن تطور هذه الموسيقى انتهى مع حلول ذلك التاريخ أو أنها قد وصلت الى نهاية الشوط ومنذ ذلك التاريخ تحولت موسيقانا وفننا الى ألازقة الخلفية ان جاز التعبير والحق أن هذه الفترة هي فترة مثيرة وتثير فينا العديد من التساؤلات ؟

وقد ساهم عديموا الثقافة والدخلاء على الموسيقى والغناء التركماني في ايصاله الى مرحلة ألاحتضار بفعل قيامهم بتغيير القيم والمعاني الجميلة التي كانت تزخر بها نصوص الخويرات وألاغاني التركمانية اضافة الى قيامهم بادائها بصورة ارتجالية بعيدة كل البعد عن الذائقة الفنية وقد سعوا لنزع الهوية التركمانية المميزة لهذا التراث وادخال عناصرغريبة وهجينة فيه وكمثال على ذلك ما أخذوه من تراث الغجر العراقيين و( هابه ) يعتبر النجم ألاول الذي لاينازعه أحد في هذا المجال .